من سيوقف فاتورة الحرب في اليمن..؟ وهل بات التعويل على التقارير الأممية لخرق الجمود السياسي ممكناً..؟!
يمنات
عبد الخالق النقيب
لم تعد استراتيجية الأهداف التي وضعتها “عاصفة الحزم” في اليمن لإجبار انقلاب صنعاء – حسب زعمها – على الجلوس على طاولة الحوار قائمة ، فقد دمرت البنية التحتية التي تم استهدافها على مدى عامين ونصف العام ، وقُتل الألآف من المدنيين الأبرياء ، بينما الملايين يعانون من سوء التغذية وانتشار المجاعة في المناطق الأكثر فقراً وفي أوساط النازحين الذين اضطروا للنزوح من منازلهم التي أصبحت عرضة للمآلات الأشد خطراً ، وتهدد البلاد التي ضرب وباء الكوليرا مؤخراً أعداداً كبيرة من سكانها.
تعذر وضع التحالف العسكري الذي يشن عملياته العسكرية في اليمن تحت موجبات القانون الدولي ، جراء انتهاكات حقوق الإنسان عدتها الكثير من منظمات العفو الدولية جرائم حرب ، فهل سيكون بمقدور الأمم المتحدة صنع شيئ حيال الحرب التي خرجت عن السيطرة وباتت تحصي شهداء من المدنيين يومياً ، وهل بات التعويل على تقاريرها الدولية ممكناً ، والتى يرى مراقبون أن ذلك لن يتم إلا باستصدار قرار أممي ملزم يعلن إنهاء الاقتتال ووضع حد لهذه الحرب.
من جانب آخر يواجه مسار التسوية السياسية في اليمن تحديات مزدوجة تتعقد في الداخل والخارج ، وترتبط بإرادة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة الساعية لترجمة مصالحها حيال الملف اليمني ، ويرتبط من ناحية ثانية بإرادة القوى المحلية المناهضة للتحالف العسكري السعودي وانعكاسات حجم تأثيرها أو مقدرتها في صنع القرار والحفاظ على ميزان القوى العسكرية والاقتصادية ، كما أن تبعية القوى والفصائل المحلية التي تسير في خط الانصياع شبه المطلق للمؤتر الخارجي ، ويتم استهلاكها بتعطيل الانخراط في تسوية سياسية متينة ، ومجمل تلك التحديات تحمل قدراً من التأثير ، وتتسبب بدخول الحالة السياسية في مأزق متعدد الوجوه .
تكاد الأبعاد الجيوسياسية لليمن إحدى الاهتمامات للكثير من المصالح والتشعبات التي تحتفظ بتحريك الملف اليمني للحظة حاسمة لم تكتمل فصولها بعد ، إذ أن تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين وتناقض أجنداتهم في اليمن لازال يمثل تهديداً خطيراً يحول دون تحقيق تقارب يمكن التعويل عليه في خرق الجمود السياسي القائم ، فالقوى الخارجية النافذة لازالت تخطط للعب دور بارز في تغذية الصراع الداخلي ، وتسييره بوتيرة تنسجم مع الأجندات التي تعمل عليها ، ما يعني أن مصير أي تسوية سياسية لم يعد مرتبطاً بمدى توافق الأطراف اليمنية اليمنية ، بل بمدى رغبة القوى الدولية ومن بعدها دولتي التحالف العسكري «السعودية والإمارات» التي ترى في انتقال الوضع العسكري الحالي إلى عملية سياسية سيعد تطوراً محورياً ونهاية منطقية لحربه التي باءت بفشل ذريع ، ما يفسر مواصلتها لاستخدام نفوذها في اللعب على مدارات التأثير لإعاقة وتقويض الفرص الحقيقية أمام مساعي إحلال السلام ، والحيلولة دون الذهاب لأي تسوية سياسية قبل إنهاك قوى الداخل وتفريخ معسكراتها ، والحصول منها على المزيد من التنازلات.
انسداد أفق الخيارات العسكرية وتضاؤل حظوظ معاركها على الأرض دفع بدولتي التحالف في عاصفة الحزم وبمساندة القوى الدولية إلى اعتماد استراتيجية بديلة وترجمتها إلى خطط تعيد تشكيل خارطة سياسية معدلة ، عبر خلق تكتلات سياسية جديدة وتشجيع تكوينات ناشئة على الظهور والتأثير ، إضافة إلى تفريخ الجماعات المسلحة المنضوية تحت قيادة التحالف السعودي الإماراتي في المناطق والمدن الجنوبية وأجزاء من مدينة تعز ، وعبر إحياء محاولاتها الحثيثية في التسلل إلى صفوف القوى المناهضة للعدوان على اليمن “حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام” ، وهو ما سيعزز طموح القوى الدولية في استثمار حالة الصراع البينية داخل كل معسكر محلي في تسوية الملعب اليمني بما يتلائم مع المشروعين السائدين في المنطقة والمتمثل في إيجاد حالة سياسية منسجمة مع مشاريع التطبيع مع إسرائيل ، ومشروع إعادة رسم التحالفات وإعادة التقسيم التي ستتفق عليها إرادة الأطراف الدولية ذات التأثير ، وارتباط تسويتها بملفات المنطقة المشتعلة في سوريا والعراق وليبيا وقطر ، وفق ارتباطها بتقاسم النفوذ وترتيب وضعها العسكري والاقتصادي ، وفرضها على الواقع بناءً على ذلك ، وجعلها أساساً لأي تسوية سياسية قادمة للملف اليمني ، وسيتم حينها الحديث بصوت عالٍ باعتبار أن القوى الدولية باتت راعية للسلام.
سيبقى اليمنيون يدفعون فاتورة الحرب التي تستنزف مقدراتهم وتلتهم أبناءهم المدنيين ، فهل سيكون اختيار الأمم المتحدة هذه المرة تمثيل للموقف الإنساني بصرامة ، أم أنها ستختار البقاء مظلة لـ”عاصفة الحزم” ولكل الانتهاكات التي تم ارتكابها بحق المدنيين في اليمن.